مدرسة دار العلم في بانكوك
حينما تطل على اطراف مدينة بانكوك في تايلند ترى هذه المدينة على كثرة نشاطها الاقتصادي وحركتها التجارية، ومع تزايد نسب الجرائم فيها، الا أن انتشار الاسلام يزداد يوماً بعد يوم بتلك البلاد، حيث يصارع التيارات الوثنية والجاهلية.
يعيش في تايلند ألوف من المسلمين الشيعة الذين أدى ابتعادهم عن المراكز الدينية الى جهل كثير منهم للاحكام الشرعية، واكتفائهم ببعض جوانب العقيدة دون البعض الآخر. لذلك كان حل مشكلتهم كامناً في انشاء مدرسة علمية دينية في بلادهم كي ينال شبابهم فرصة التزود بالمعلومات الأساسية التي تؤهلهم للتبليغ، فكان ذلك القرار من سماحة المرجع الأعلى بتأسيس مدرسة، وهي الان المركز الذي يبث علوم أهل البيت عليهم السلام في تلك البلاد. كما تم انشاء فرع لهذه المدرسة للنساء، يتعلمن فيه الدين الأصيل لايصاله الى المناطق التي جئن منها.
لقد برزت ضرورة إنشاء مدرسة "دار العلم" من خلال دراسة وضع تايلند، وموقع ابناء المذهب فيه وامكانياتهم وحاجاتهم، حيث تتعهد بتربية وتعليم الشباب المسلم، الاحكام الشرعية والاخلاق الاسلامية، ليتكلفوا بأنفسهم التبليغ في المناطق النائية من البلاد.
ان اتساع حركة التشيع جعل من بعض الشباب المتدين يتوجه لطلب العلم ودراسة علوم اهل البيت عليهم السلام في النجف الاشرف أو قم المقدسة لتغطية بعض الاحتياجات من المبلغين والمرشدين، أو ارسال افراد من الحوزة الى هناك، الا أن هؤلاء كانوا يعانون من بعد المسافة التي يقطعونها بين بانكوك والنجف أو قم، اضافة الى ما يعانيه الطالب من تكاليف الدراسة والنقل وغير ذلك، علماً بان عامل اللغة اساس مهم في كل ذلك، مما يشكل سبب معاناة طالب العلوم الدينية القادم من تلك البلدان. ذلك أن على الطالب أن يواصل الدراسة وعليه أن يتعلم اللغة في الوقت نفسه، ما يتطلب وقتاً طويلاً، قبل أن يلتحق ببقية الطلبة في الحوزات العلمية. كذلك فان ارسال المبلغين من النجف أو قم يواجه صعوبات كثيرة اهمها عقبة اللغة للتفاهم مع أبناء البلد.
لذلك كان واضحا أن وجود مدرسة لتدريس العلوم الدينية في تلك البلدان يخفف من هذه العقبات امام الراغبين بدراستها من سكان تايلند، وبذلك تقوى حركة التبليغ من خلال تخريج اعداد مناسبة من الطلاب. لهذا أمر سماحة الإمام الخوئي (قده) بانشاء مدرسة حوزوية في بانكوك العاصمة تتعهد تأهيل الطلاب لممارسة التبليغ ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام، وقد تحقق هذا الامر أخيرا حيث تم افتتاح المدرسة في عام ١٩٨٧م.
تتسع المدرسة لاربعين طالبا، تقوم المؤسسة بتحمل جميع تكاليفهم من الغذاء واللباس، والسكن ضمن بناء المدرسة في الطابق العلوي منها، وإعطاء راتب شهري لكل طالب، كما هو الحال المتبع في باقي الحوزات. تقبل المدرسة الطلاب، الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والخامسة والعشرين سنة، ولابد من أن يكون الطالب قد أكمل الدراسة المتوسطة في المدارس التايلندية الرسمية. ومدة الدراسة هي أربع سنوات يدرس الطلاب خلالها مقدمات تعليم اللغة العربية كالنحو والصرف والعقائد والاحكام الشرعية، وهذا ما يستغرق سنة ونصف.
بعد ذلك يبدأ الطالب بقراءة كتاب "شرح ابن عقيل" و"منهاج الصالحين" و"المنطق" وكذلك "العقائد الدينية" و"البلاغة". وخلال السنوات الثلاث الاولى يكون الطلاب تحت اشراف أساتذتهم مباشرة لتعلم الاخلاق الاجتماعية وأداء الشعائر والاعمال اليومية.
بعدها يرسل الطالب في أيام العطل الى بعض المدن والقرى النائية من البلاد، لاجل هداية الناس وارشادهم وتعليمهم الاحكام. وفي تلك المرحلة من الدراسة يدرس الطلاب "مختصر الاصول" و"التفسير" تحت اشراف أساتذة تايلنديين درسوا في حوزات النجف أو قم.
وبعد انتهاء الدراسة في المدة المذكورة، يرسل قسم من الطلاب كمبلغين وخطباء الى مدن جنوب البلاد، واما الذين يرغبون بالاستمرار في الدراسة فيرسلون الى حوزة قم أو الحوزة العلمية في باكستان لاكمال دراستهم هناك، كما أصبح ممكنا – والحمد لله – ارسال قسم منهم الى حوزة النجف الاشرف، التي أصبحت تستقبل طالبي العلوم الدينية من مختلف دول العالم.
كذلك تقوم المدرسة بنشاطات أخرى منها:
ـ إرسال مبلغين وخطباء الى المناطق البعيدة في الجنوب في شهري محرم ورمضان المبارك.
ـ ترجمة الكتب العقائدية الى اللغة التايلندية، وترجمة "المسائل المنتخبة" لتعريف المؤمنين على المسائل الشرعية، وكذلك ترجمة اجزاء من القرآن الكريم، كما تم بالفعل ترجمة وطباعة اكثر من عشرين كتاباً فقهياً وعقائدياً. وهناك عدة كتب تحت الطبع حالياً منها كتاب "تفسيرالبيان" للامام الخوئي (قده).
ـ اصدار مجلة شهرية توضح هوية الشيعة وعقائدهم الحقة.
ـ مساعدة المراكز الاسلامية الاخرى بالكتب والنشرات وبعض المساعدات المالية.
ـ اقامة الحفلات والمناسبات الدينية في المراكز الاسلامية.
ـ الاجابة عن الاسئلة الشرعية واجراء العقود الشرعية.
ـ اقامة روابط علمية مع الجامعة التايلندية في بانكوك، وعقد ندوات حول الاسلام بين حين وآخر في مركز الجامعة.
ـ توزيع منشورات حول الاسلام مجاناً في اوساط الجامعة.
ـ كما يقيم طلاب مدرسة "دار العلم" صلاة الجمعة، ويقومون بالنشاطات الاجتماعية المتميزة في الأعياد الاسلامية.
ـ تقوم المدرسة بافتتاح دورات تعليمية للاطفال واليافعين لمدة ساعتين في اليوم يعلمون فيها العقائد والقرآن الكريم.
ـ تشكيل حلقات دراسة فقهية للاخوات المسلمات في بعض ايام الاسبوع للاجابة عن المسائل الشرعية التي تخصهن.
ـ مساعدة الشباب مادياً ومعنوياً في الجامعات التايلندية، وتشكيل حلقات للمناظرة بين المذاهب والأديان الاخرى من أجل توضيح المذهب الحق وتقوية الدعوة للدين الحنيف.
وقد قامت المؤسسة باحداث بناء لانشاء غرف اضافية للتوسعة بسبب زيادة عدد الطلاب، مع بعض الترميمات وبناء حمامات ومرافق ومطابخ اضافية ضمن البناء السابق، مع تزويد المدرسة والمكتبة باجهزة التبريد.
لقد شجعت جميع هذه الاعمال مع نشاطات أخرى كثيرة على زيادة اقبال الناس، اسلام مدرسة أهل البيت عليهم السلام، حيث ما زالت مدرسة دار العلم في بانكوك تتقدم الى الإمام لتكون المنار الذي يخدم المسلمين واتباع مذهب اهل البيت في تلك البلاد.